Ad

الصين تهيمن على احتياطيات المعادن النادرة عالميًا

 



تواصل الصين ترسيخ موقعها كقوة عظمى في قطاع الموارد الطبيعية، حيث باتت تهيمن بشكل شبه كامل على احتياطيات وإنتاج المعادن النادرة في العالم، وهي العناصر الحيوية التي تُستخدم في الصناعات المتقدمة مثل الإلكترونيات والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والصناعات العسكرية. وتشير أحدث التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الصين تمتلك حوالي 60% من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة، وتتحكم في أكثر من 85% من عمليات المعالجة والتكرير لهذه المواد الإستراتيجية.

وتُعد المعادن النادرة — التي تضم 17 عنصرًا كيميائيًا مثل النيوديميوم والديسبروسيوم والتربيوم — العمود الفقري للتكنولوجيا الحديثة، إذ تدخل في صناعة الهواتف الذكية، والتوربينات الهوائية، والشرائح الإلكترونية، والبطاريات الكهربائية، والمغناطيسات القوية التي تعتمد عليها أنظمة الطاقة والسيارات. ومع ارتفاع الطلب العالمي على هذه المعادن خلال العقد الأخير، أصبحت السيطرة الصينية على هذا القطاع تمثل ورقة ضغط اقتصادية وجيوسياسية قوية على الدول الصناعية الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.

ويرجع تفوق الصين في هذا المجال إلى سياسة طويلة الأمد تبنتها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ركزت على تطوير قطاع التعدين المحلي، واستثمار مواردها الجيولوجية الهائلة، إضافة إلى إنشاء شبكة صناعية متكاملة تشمل عمليات الاستخراج، التكرير، التصنيع، والتصدير. كما دعمت الحكومة الصينية الشركات الوطنية من خلال إعفاءات ضريبية وتمويلات ضخمة، ما جعلها قادرة على تقديم أسعار منخفضة يصعب على المنافسين مجاراتها.

وفي الوقت نفسه، أدت السياسات البيئية الصارمة في الدول الغربية إلى تراجع إنتاجها المحلي من المعادن النادرة بسبب المخاوف من التلوث الناتج عن عمليات التعدين والتكرير. على سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة في التسعينيات تمتلك أكبر منجم لإنتاج المعادن النادرة في "ماونتن باس" بولاية كاليفورنيا، لكنها أغلقت العديد من مرافق المعالجة لأسباب بيئية، مما فتح المجال أمام الصين لتوسيع نفوذها العالمي في هذا القطاع.

وتشير بيانات عام 2025 إلى أن الصين لا تكتفي بكونها المنتج الأكبر، بل أصبحت أيضًا المركز العالمي لتكرير المعادن النادرة، حيث تُرسل إليها الخامات من دول أخرى مثل ميانمار وإندونيسيا وأفريقيا لمعالجتها هناك. هذا التفوق في سلسلة التوريد يمنحها قدرة شبه مطلقة على التحكم في الأسعار وتوجيه السوق العالمي وفقًا لمصالحها الاقتصادية والسياسية.

وقد ظهرت أهمية هذا النفوذ بوضوح خلال الأعوام الأخيرة، عندما فرضت الصين قيودًا على تصدير بعض المعادن النادرة إلى دول غربية، ردًا على العقوبات التكنولوجية المفروضة عليها. وأدى ذلك إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع كبير في أسعار المواد الخام التي تعتمد عليها شركات الإلكترونيات وصناعة السيارات، ما جعل العديد من الدول تعيد النظر في اعتمادها المفرط على الصين.

وفي مواجهة هذه الهيمنة، تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الإمداد، من خلال فتح مناجم جديدة في أستراليا وكندا وناميبيا، وإنشاء مرافق لمعالجة المعادن خارج الصين. كما تم الإعلان عن تحالف دولي جديد للمعادن الحيوية يهدف إلى تعزيز الشفافية وتأمين سلاسل التوريد الحيوية بعيدًا عن السيطرة الصينية. ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن كسر هذا الاحتكار لن يكون سهلًا، نظرًا للتفوق التقني الصيني والبنية التحتية الصناعية الضخمة التي بنتها على مدى عقود.

وفي هذا السياق، أوضح تقرير لمعهد “بروكينغز” الأمريكي أن الصين نجحت في تحويل المعادن النادرة إلى سلاح اقتصادي ناعم، يستخدم كوسيلة للنفوذ في العلاقات الدولية. فعلى سبيل المثال، عندما فرضت اليابان قيودًا بحرية على الصين عام 2010، ردت بكين بوقف تصدير المعادن النادرة إلى طوكيو، ما ألحق ضررًا كبيرًا بصناعة التكنولوجيا اليابانية في ذلك الوقت.

كما تسعى الصين اليوم إلى تعزيز مكانتها من خلال التوسع في إفريقيا وآسيا الوسطى، عبر توقيع اتفاقيات مع دول غنية بالمعادن مثل الكونغو وتنزانيا وكازاخستان. وتهدف هذه الخطوة إلى ضمان إمدادات طويلة الأمد من المواد الخام، بالإضافة إلى نقل عمليات المعالجة والتصنيع إلى الخارج لتقليل الضغط البيئي داخل الصين نفسها، دون أن تفقد سيطرتها على سلاسل القيمة.

ومن ناحية أخرى، تشير بعض التقديرات إلى أن الطلب العالمي على المعادن النادرة سيزداد بنسبة 250% بحلول عام 2035، مدفوعًا بالتحول نحو الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية. هذا الارتفاع المتسارع سيجعل من الصين اللاعب المحوري في تلبية هذا الطلب، خاصة وأنها تهيمن أيضًا على صناعة بطاريات الليثيوم أيون والمغناطيسات الدائمة المستخدمة في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.

ويرى محللون أن هذه السيطرة تمنح الصين ميزة استراتيجية مزدوجة، فهي ليست فقط المصدر الرئيسي للمواد الخام، بل تمتلك أيضًا سلاسل التصنيع النهائية التي تحول هذه المعادن إلى منتجات عالية التقنية. وبالتالي، حتى لو تمكنت الدول الغربية من تطوير مناجم جديدة، فإنها ستظل بحاجة إلى التكنولوجيا الصينية لمعالجة المواد الخام وتحويلها إلى مكونات صناعية متقدمة.

في المقابل، تدعو منظمات البيئة الدولية إلى ضرورة أن تلتزم الصين والدول الأخرى بإجراءات أكثر صرامة للحد من الأضرار البيئية الناتجة عن استخراج المعادن النادرة، حيث تُعتبر عمليات التعدين والتكرير من أكثر الأنشطة تلويثًا للتربة والمياه. وتشير تقارير إلى أن بعض المناطق في شمال الصين تعاني من تدهور بيئي حاد بسبب النشاط المكثف في هذا القطاع.

وبينما تواصل الصين إحكام قبضتها على هذه السوق الحيوية، يبدو أن العالم يسير نحو عصر جديد من التنافس الجيو اقتصادي، حيث أصبحت المعادن النادرة بمثابة "نفط القرن الحادي والعشرين". ومع تصاعد سباق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، سيبقى النفوذ الصيني في هذا المجال عاملًا حاسمًا في موازين القوى العالمية لعقود قادمة.

تعليقات

Ad

Ad

إخلاء مسؤولية: تدير منصة معلومة نيوز بلس محتواها وفقًا لأفضل الممارسات المهنية. الآراء الواردة في المقالات تعبر عن وجهة نظر كاتبيها ولا تعكس بالضرورة رأي الإدارة. نحن نبذل جهدًا معقولاً لضمان دقة المعلومات، لكننا لا نتحمل مسؤولية أي أخطاء قد تطرأ، أو أي قرارات يتخذها القارئ بناءً على محتوى الموقع.