Ad

كيف يؤثر التوتر على الجهاز الهضمي؟ العلاقة الخفية بين العقل والأمعاء

 



يُعد التوتر النفسي من أكثر العوامل التي تؤثر سلبًا على صحة الإنسان العامة، ولكن ما لا يدركه الكثيرون أن الجهاز الهضمي هو أحد أكثر أجهزة الجسم تأثرًا بالضغوط النفسية والعصبية. فالعلاقة بين الدماغ والأمعاء وثيقة جدًا، لدرجة أن العلماء أطلقوا على الأمعاء لقب “الدماغ الثاني” لما تحتويه من شبكة أعصاب معقدة تتفاعل مباشرة مع الحالة النفسية.

في هذا المقال نستعرض بالتفصيل كيف يؤثر التوتر على الجهاز الهضمي، وما الأعراض التي قد تظهر، وكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة بطرق عملية وصحية.


أولًا: كيف يتفاعل الجسم مع التوتر؟

عندما يتعرض الإنسان لأي نوع من التوتر — سواء نفسي أو بدني — يفرز الجسم هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول، وهي المسؤولة عن “استجابة القتال أو الهروب”. هذه الهرمونات تُوجّه طاقة الجسم إلى العضلات والمخ والقلب، على حساب الجهاز الهضمي. بمعنى آخر، التوتر يجعل الجسم يقلل من تدفق الدم إلى المعدة والأمعاء ويُبطئ عملية الهضم.

ومع استمرار التوتر لفترات طويلة، يصبح هذا التأثير مزمنًا، فيختل توازن الجهاز الهضمي وتتأثر وظائفه الطبيعية.


ثانيًا: تأثير التوتر على أجزاء الجهاز الهضمي المختلفة

1. الفم والمريء

يؤدي التوتر إلى جفاف الفم بسبب انخفاض إفراز اللعاب، كما قد يسبب عسر البلع أو زيادة إفراز الأحماض التي تصعد إلى المريء، مما يؤدي إلى الشعور بحرقان المعدة أو الحموضة.

2. المعدة

تُعد المعدة من أكثر الأعضاء تأثرًا بالتوتر، إذ يمكن أن يسبب التوتر:

  • تقلصات وآلامًا في المعدة.
  • غثيانًا أو رغبة في التقيؤ.
  • زيادة في إفراز الأحماض المعدية، ما يسبب القرحة أو التهاب جدار المعدة على المدى الطويل.
  • اضطراب الشهية، فالبعض يفقد شهيته عند التوتر، بينما يُقبل آخرون على الأكل بشراهة.

3. الأمعاء الدقيقة والغليظة

التوتر يؤثر مباشرة على حركة الأمعاء. أحيانًا يزيد من سرعتها مسببًا الإسهال، وأحيانًا يُبطئها مسببًا الإمساك.
كما يرتبط التوتر ارتباطًا وثيقًا بمتلازمة القولون العصبي، وهي حالة شائعة تتجلى بانتفاخات وآلام بطنية وتغيرات في حركة الأمعاء.

4. البكتيريا النافعة في الأمعاء

التوتر المزمن يمكن أن يغيّر تركيبة ميكروبيوم الأمعاء (البكتيريا المفيدة)، مما يؤثر على امتصاص الغذاء، والمناعة، وحتى الحالة المزاجية نفسها، لأن الأمعاء تُنتج نحو 90% من هرمون السيروتونين المسؤول عن السعادة.


ثالثًا: العلاقة بين الدماغ والأمعاء – محور الأمعاء-الدماغ

الأعصاب التي تربط الجهاز الهضمي بالدماغ تُسمى العصب الحائر (Vagus Nerve)، وهو خط الاتصال المباشر بين الجهاز العصبي المركزي والجهاز الهضمي.
عندما يكون العقل في حالة توتر، يُرسل إشارات إلى الأمعاء تغير من حركتها وإفرازها للإنزيمات، مما يؤدي إلى الأعراض الهضمية المختلفة. والعكس صحيح — فعندما تكون الأمعاء في حالة اضطراب، يمكن أن تزيد مشاعر القلق والتوتر، ما يشكل دائرة مغلقة يصعب كسرها بدون وعي وتدخل صحي.


رابعًا: الأعراض الشائعة لتأثير التوتر على الهضم

  • انتفاخ البطن أو الغازات.
  • آلام أو تقلصات معدية متكررة.
  • تغيرات في الإخراج (إمساك أو إسهال).
  • فقدان أو زيادة في الشهية.
  • حرقة في المعدة أو ارتجاع حمضي.
  • شعور بثقل أو امتلاء بعد الوجبات الصغيرة.

خامسًا: كيف يمكن تخفيف أثر التوتر على الجهاز الهضمي؟

1. ممارسة تقنيات الاسترخاء

الأنشطة مثل التأمل، وتمارين التنفس العميق، واليوغا، تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتقليل إفراز الكورتيزول.

2. تحسين النظام الغذائي

  • تناول وجبات صغيرة ومنتظمة.
  • تجنب الأطعمة الدهنية والمقلية والمهيجة للمعدة مثل الكافيين والبهارات الزائدة.
  • زيادة تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك مثل الزبادي والكفير لدعم بكتيريا الأمعاء.

3. النوم الكافي

قلة النوم ترفع من مستويات التوتر وتضعف مناعة الجهاز الهضمي. يُنصح بالنوم من 7 إلى 8 ساعات يوميًا.

4. ممارسة الرياضة بانتظام

الرياضة تساعد على إفراز الإندورفينات، وهي هرمونات تحسّن المزاج وتقلل التوتر، كما أنها تحفز حركة الأمعاء وتحسن عملية الهضم.

5. تجنّب العادات الضارة

التدخين، الإفراط في الكافيين أو الكحول، كلها تزيد من التوتر وتضر المعدة بشكل مباشر.


الخلاصة

إن تأثير التوتر على الجهاز الهضمي حقيقي وعميق، ولا يقتصر على الأعراض المؤقتة فقط، بل قد يؤدي إلى أمراض مزمنة إذا استمر لفترات طويلة. العقل والجسم وجهان لعملة واحدة، وما يؤثر على أحدهما ينعكس على الآخر. لذلك، فإن إدارة التوتر ليست رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على صحة الهضم وجودة الحياة.

فالراحة النفسية تبدأ من العقل، ولكن صحتك تبدأ من الأمعاء أيضًا — فاهتم بهما معًا لتعيش بتوازن وراحة.

تعليقات

Ad

Ad

إخلاء مسؤولية: تدير منصة معلومة نيوز بلس محتواها وفقًا لأفضل الممارسات المهنية. الآراء الواردة في المقالات تعبر عن وجهة نظر كاتبيها ولا تعكس بالضرورة رأي الإدارة. نحن نبذل جهدًا معقولاً لضمان دقة المعلومات، لكننا لا نتحمل مسؤولية أي أخطاء قد تطرأ، أو أي قرارات يتخذها القارئ بناءً على محتوى الموقع.