قد يبدو كوب الماء شيئًا بسيطًا لا نُعيره اهتمامًا يوميًا، لكن تأثيره على الجسم — وخاصة على البشرة — عميق وأساسي. فالماء لا يروي العطش فحسب، بل يمثل عنصرًا جوهريًا في الحفاظ على نعومة الجلد، ومرونته، ونضارته.
يتكون جسم الإنسان من نحو 60% من الماء، وتعتمد كل خلية في أجسامنا على هذا السائل الحيوي للقيام بوظائفها، بما في ذلك خلايا الجلد التي تُعد من أكثر خلايا الجسم احتياجًا للترطيب.
لكن عندما يقل استهلاك الماء عن المعدل الطبيعي، تبدأ البشرة في إرسال إشارات استغاثة، تظهر في صورة بهتان، جفاف، وخطوط دقيقة، وقد تتطور إلى التهاب أو تقشر إذا استمر الإهمال.
أولاً: الحاجز الطبيعي للبشرة يبدأ بالضعف
الطبقة الخارجية من الجلد — المعروفة باسم الطبقة القرنية — تعمل كدرع واقٍ يمنع فقدان الرطوبة ويحمي الجلد من الملوثات.
لكن عند نقص الماء، يضعف هذا الحاجز تدريجيًا، ويصبح هشًا وسهل الاختراق.
وقد أظهرت أبحاث طبية أن الجفاف يقلل من مرونة الجلد، مما يجعله أكثر عرضة للتقشر، الاحمرار، والحساسية.
ومع ضعف الحاجز، تدخل الملوثات ومسببات الحساسية بسهولة أكبر، مسببة التهابات قد تتحول إلى مشكلات جلدية مزمنة مثل الأكزيما أو التحسس الجلدي.
ثانيًا: لون البشرة يصبح باهتًا وغير متساوٍ
البشرة الصحية تُعرف بقدرتها على عكس الضوء بشكل متوازن، وهو ما يعطيها المظهر المشرق والموحد.
لكن عند الجفاف، تفقد الطبقة السطحية قدرتها على عكس الضوء، فيبدو الوجه باهتًا أو مُتعبًا.
ويشير أطباء الجلد إلى أن قلة الماء تؤثر على الخصائص البصرية للجلد، أي كيفية انعكاس الضوء على سطحه.
لذلك، فإن الوجه المرطب جيدًا يبدو أكثر إشراقًا حتى من دون مكياج، في حين يُظهر الجفاف تفاوتًا في اللون، خاصة حول العينين والفم.
ثالثًا: التجاعيد والخطوط الدقيقة تزداد وضوحًا
الجفاف لا يُسبب التجاعيد بشكل مباشر، لكنه يجعلها تبدو أكثر بروزًا.
فعندما تفقد خلايا الجلد رطوبتها، تنكمش قليلًا، ما يُبرز الخطوط الموجودة سابقًا.
وقد أظهرت دراسة منشورة في مجلة Research Gate عام 2007 أن المشاركين الذين زادوا من شرب الماء يوميًا أظهروا تحسنًا واضحًا في نعومة البشرة ومرونتها.
إذ لا يُزيل الماء التجاعيد نهائيًا، لكنه يدعم تجديد الخلايا ويُساعد الجلد على الاحتفاظ بمظهر أكثر شبابًا لفترة أطول.
رابعًا: زيادة إنتاج الزيت (الزهم)
من المفارقات أن نقص الماء قد يجعل البشرة أكثر دهنية!
فعندما يشعر الجلد بنقص الترطيب، يُرسل إشارات لخلايا الغدد الدهنية لإنتاج المزيد من الزيوت تعويضًا عن الجفاف.
ينتج عن ذلك مظهر دهني لامع على السطح الخارجي، بينما تبقى الطبقات الداخلية جافة ومشدودة.
ويُعرف هذا الخلل باسم البشرة الجافة الدهنية، وهي حالة تؤدي إلى انسداد المسام وظهور البثور.
لذلك، فإن الترطيب الكافي بالماء لا يُقلل فقط من الجفاف، بل ينظم إفراز الدهون ويحافظ على توازن البشرة.
خامسًا: تفاقم الالتهابات والاحمرار
أظهرت دراسات أجرتها المعاهد الوطنية للصحة عام 2025 أن نقص الترطيب يزيد من الإجهاد التأكسدي في خلايا الجلد، مما يرفع من نشاط مسارات الالتهاب.
ويُفاقم ذلك من أعراض أمراض جلدية شائعة مثل حب الشباب، الأكزيما، والوردية.
كما تتباطأ عملية التجدد الطبيعي للخلايا، فيستغرق التئام الجروح أو اختفاء البقع فترة أطول من المعتاد.
وكلما استمر الجفاف، ازدادت قابلية الجلد للتهيج وضعف مقاومته للعوامل البيئية مثل الشمس والتلوث.
سادسًا: ضعف الدورة الدموية وتغير لون البشرة
الترطيب الجيد لا يقتصر على الجلد فحسب، بل يؤثر أيضًا على الدورة الدموية الدقيقة.
فعندما يقل الماء في الجسم، ينخفض تدفق الدم في الشعيرات القريبة من سطح الجلد، ما يؤدي إلى شحوب البشرة أو ظهور هالات داكنة تحت العينين.
وفي بعض الحالات، يلاحظ الأطباء ظهور لون مزرق خفيف نتيجة نقص الأكسجين في الأوعية الدموية الدقيقة.
أما البشرة المرطبة جيدًا، فهي أكثر نضارة ودفئًا في اللون بفضل التدفق المنتظم للدم والمغذيات.
سابعًا: تباطؤ تجديد الخلايا
الماء عنصر أساسي في عملية التقشير الطبيعي للبشرة.
فعندما تقل نسبة الماء، تتباطأ عملية التخلص من الخلايا الميتة، ما يؤدي إلى تراكمها على السطح وتكوّن طبقة خشنة أو باهتة.
الترطيب الجيد — سواء من الداخل أو الخارج — يُحفّز إنتاج خلايا جديدة أكثر صحة، ما يمنح البشرة ملمسًا ناعمًا ومظهرًا متجددًا.
ثامنًا: تأثير الجفاف على التوازن الهرموني
قلة شرب الماء لا تؤثر فقط على الجلد بشكل مباشر، بل تمتد إلى الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الزيوت وتجدد الخلايا.
ففي حالات الجفاف المزمن، يفرز الجسم هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ما يُزيد من احتمالية التهاب الجلد أو حب الشباب.
لذلك، فإن الحفاظ على الترطيب هو وسيلة غير مباشرة لتحقيق توازن هرموني صحي، خصوصًا لدى النساء خلال فترات الدورة الشهرية أو التغيرات الهرمونية.
تاسعًا: الماء ليس العلاج السحري الوحيد
رغم أهمية الماء، إلا أنه ليس الحل الوحيد للبشرة الجافة.
فالماء يدعم عمل الجلد من الداخل، لكن الترطيب الخارجي بالكريمات والزيوت الطبيعية ضروري كذلك لمنع فقدان الرطوبة.
وينصح الأطباء باعتماد نظام متكامل يشمل:
- شرب من 8 إلى 10 أكواب ماء يوميًا.
- تناول أطعمة غنية بالماء مثل الخيار والبطيخ.
- استخدام كريمات تحتوي على حمض الهيالورونيك أو السيراميد.
- تجنب التعرض المفرط للشمس.
- النوم الجيد لأن الخلايا تتجدد ليلاً.
عاشرًا: مؤشرات تدل على نقص الماء في البشرة
يمكنك ملاحظة جفاف البشرة حتى قبل أن تشعر بالعطش، ومن أبرز العلامات:
- ملمس خشن أو متشقق.
- بهتان في اللون أو فقدان النضارة.
- ظهور خطوط دقيقة حول الفم والعينين.
- شعور بالشدّ بعد غسل الوجه.
- زيادة في إفراز الدهون أو ظهور حب الشباب.
إذا لاحظت هذه العلامات، فابدأ فورًا بتعديل كمية الماء اليومية، فالجفاف المزمن قد يؤدي إلى مشكلات يصعب علاجها لاحقًا.
نصائح الخبراء للحفاظ على ترطيب البشرة
يقدم أطباء الجلد مجموعة من الإرشادات البسيطة التي تضمن لك بشرة صحية:
- ابدأ يومك بكوب ماء فاتر على معدة فارغة لتحفيز الدورة الدموية.
- احمل زجاجة ماء معك دائمًا خلال اليوم، خصوصًا في الطقس الحار.
- قلل من المشروبات المنبهة مثل القهوة والشاي لأنها تُزيد من فقدان السوائل.
- استخدم مرطبًا بعد الاستحمام مباشرة لاحتجاز الرطوبة داخل الجلد.
- أضف الأطعمة الغنية بالأوميغا 3 (كالسلمون والمكسرات) لأنها تُعزز مرونة الجلد.
- راقب لون البول؛ فإذا كان داكنًا فهذا يعني أنك لا تشرب ما يكفي من الماء.
العلاقة بين الماء والمكملات الجمالية
يُلاحظ أن كثيرين يعتمدون على مكملات الكولاجين والفيتامينات لتحسين مظهر البشرة، لكن الأطباء يؤكدون أن هذه المكملات لن تؤدي مفعولها الكامل دون ترطيب كافٍ.
فالماء يُعتبر وسيطًا ضروريًا لتحليل وامتصاص العناصر الغذائية، كما يُسهم في توصيل الفيتامينات والمعادن إلى الخلايا الجلدية.
أي نقص في الماء يعني أن تلك المكملات لن تصل إلى الجلد بالكفاءة المطلوبة.
خلاصة
إن قلة شرب الماء ليست مجرد عادة سيئة، بل هي عامل مباشر في شيخوخة البشرة المبكرة وظهور التجاعيد وفقدان النضارة.
الماء هو السر الأبسط والأرخص للحصول على بشرة صحية ومتوهجة، فهو يحافظ على الحاجز الجلدي، يدعم الدورة الدموية، ويُعزز من تجدد الخلايا.
ومهما كانت مستحضرات العناية فاخرة أو متقدمة، فإنها لن تُعوّض نقص الماء الداخلي.
لذا، تذكّر دائمًا:
الجمال يبدأ من كوب ماء!
