Ad

ما هو الصيام المتقطع؟ وهل يناسب الجميع

 



في السنوات الأخيرة، أصبح الصيام المتقطع أحد أكثر الأنظمة الغذائية شهرة في العالم.
فهو لا يعتمد على حساب السعرات أو الحرمان من أطعمة معينة، بل على تنظيم توقيت تناول الطعام.
الكثيرون يمدحونه كطريقة فعّالة لإنقاص الوزن وتحسين الصحة العامة، لكن آخرين يحذرون من أنه لا يناسب الجميع، وقد يسبب مشكلات صحية إذا لم يُمارس بطريقة صحيحة.

فما هو الصيام المتقطع تحديدًا؟ وكيف يعمل؟ وما فوائده ومخاطره؟ وهل يمكن للجميع اتباعه؟
في هذا المقال الشامل، سنجيب عن هذه الأسئلة استنادًا إلى أحدث الأبحاث الطبية وآراء خبراء التغذية.


أولًا: ما هو الصيام المتقطع؟

الصيام المتقطع (Intermittent Fasting) ليس حمية بالمعنى التقليدي، بل نمط غذائي يعتمد على التبديل بين فترات الأكل وفترات الصيام.
خلال فترة الصيام، يمتنع الشخص عن تناول الطعام (وأحيانًا المشروبات التي تحتوي على سعرات حرارية)، بينما يمكنه شرب الماء أو المشروبات الخالية من السكر.

الفكرة الأساسية هي منح الجسم وقتًا كافيًا لهضم الطعام وتنظيم الهرمونات المسؤولة عن الحرق وتخزين الطاقة، بدلًا من تناول الطعام بشكل مستمر طوال اليوم كما يفعل معظم الناس.


ثانيًا: أشهر أنواع الصيام المتقطع

هناك عدة طرق لتطبيق الصيام المتقطع، وتختلف في طول فترة الصيام ومواعيد الأكل:

  1. نظام 16/8:
    وهو الأكثر شيوعًا، ويعتمد على الصيام لمدة 16 ساعة يوميًا، وتناول الطعام خلال 8 ساعات فقط.
    مثلًا: يمكن تناول الطعام من الساعة 12 ظهرًا حتى 8 مساءً، ثم الصيام حتى اليوم التالي.

  2. نظام 14/10:
    مشابه للنظام السابق لكنه أخف، إذ تمتد فترة الصيام لـ14 ساعة، والأكل مسموح خلال 10 ساعات.
    يناسب المبتدئين أو النساء أكثر.

  3. نظام 5:2:
    يعتمد على تناول الطعام بشكل طبيعي 5 أيام في الأسبوع، ثم تقليل السعرات إلى 500–600 سعرة في يومين غير متتاليين.

  4. نظام الأكل يومًا بعد يوم:
    يتم الصيام التام أو شبه التام يومًا، ثم تناول الطعام بشكل طبيعي في اليوم التالي.
    هذا النظام أصعب ويحتاج إلى إشراف طبي.

  5. نظام الصيام الطويل (24 ساعة):
    يتم الصيام الكامل لمدة 24 ساعة مرة أو مرتين أسبوعيًا.
    رغم أنه فعّال في إنقاص الوزن، إلا أنه قد يسبب تعبًا وضعفًا إن لم يُنفذ بحذر.


ثالثًا: كيف يعمل الصيام المتقطع داخل الجسم؟

عندما نصوم، يدخل الجسم في مرحلة "الاقتصاد في الطاقة".
في الوضع الطبيعي، يستخدم الجسم الجلوكوز (من الكربوهيدرات) كمصدر رئيسي للطاقة.
لكن أثناء الصيام، ينخفض مستوى الإنسولين، فيبدأ الجسم في حرق الدهون المخزنة للحصول على الطاقة.

وتحدث خلال هذه الفترة عدة تغييرات مهمة:

  1. انخفاض الإنسولين:
    يقلل من تخزين الدهون ويزيد من حرقها.

  2. ارتفاع هرمون النمو:
    يزداد أثناء الصيام بنسبة تصل إلى 500%، مما يساعد على حرق الدهون وبناء العضلات.

  3. تنشيط عملية "الالتهام الذاتي" (Autophagy):
    وهي آلية طبيعية يتخلص فيها الجسم من الخلايا التالفة والسموم، ما يبطئ الشيخوخة ويحسّن المناعة.

  4. تحسين حساسية الجسم للإنسولين:
    مما يقلل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.


رابعًا: فوائد الصيام المتقطع

الصيام المتقطع ليس مجرد وسيلة لإنقاص الوزن، بل أثبتت الأبحاث أنه يقدم فوائد صحية شاملة تشمل الجسم والعقل.

1. إنقاص الوزن وحرق الدهون

خلال الصيام، تنخفض مستويات الإنسولين، فيبدأ الجسم في استهلاك الدهون المخزنة.
كما أن الصيام يقلل من الشهية ويمنع تناول الوجبات العشوائية.
دراسة في جامعة هارفارد عام 2023 وجدت أن الصيام المتقطع يساعد على خفض الوزن بنسبة 7–10% خلال 12 أسبوعًا فقط.

2. تحسين صحة القلب

يساعد الصيام على خفض ضغط الدم، والكوليسترول الضار، والدهون الثلاثية، ما يقلل خطر أمراض القلب.

3. تنظيم سكر الدم

يُحسّن الصيام من حساسية الجسم للإنسولين، ويقلل من ارتفاع السكر بعد الوجبات، وهو مفيد لمرضى مقاومة الإنسولين أو المعرضين للسكري.

4. تعزيز صحة الدماغ

تشير أبحاث إلى أن الصيام يزيد من إفراز بروتين يُسمى BDNF، وهو يساعد على تجديد الخلايا العصبية وتحسين الذاكرة.
كما يقلل من خطر الزهايمر وأمراض التنكس العصبي.

5. إبطاء الشيخوخة وزيادة العمر

أظهرت دراسات على الحيوانات أن الصيام المتقطع يبطئ عمليات الشيخوخة ويطيل العمر الافتراضي بنسبة تصل إلى 30%.
ويرتبط ذلك بتقليل الالتهابات وتحسين كفاءة الخلايا.

6. تحسين الهضم وصحة الجهاز الهضمي

الصيام يمنح الأمعاء راحة من العمل المستمر، ما يساعد على تحسين امتصاص الغذاء وتقليل الانتفاخ والغازات.


خامسًا: هل الصيام المتقطع مناسب للجميع؟

رغم فوائده الكثيرة، إلا أن الصيام المتقطع ليس مناسبًا لكل الأشخاص.
فبعض الفئات تحتاج إلى حذر أو تجنبه تمامًا، لأن أجسامهم لا تتحمل فترات طويلة بدون طعام.

الفئات التي يمكنها الصيام المتقطع:

  • البالغون الأصحاء الراغبون في فقدان الوزن.
  • الأشخاص الذين يعانون من مقاومة الإنسولين أو بداية مرض السكري (بإشراف الطبيب).
  • الرياضيون الذين يرغبون في تحسين الأداء وحرق الدهون.

الفئات التي يجب أن تتجنبه أو تستشير الطبيب قبل البدء:

  1. النساء الحوامل أو المرضعات:
    لأن الصيام قد يؤثر على الحليب وصحة الجنين.
  2. الأطفال والمراهقون:
    يحتاجون إلى طاقة مستمرة للنمو، فلا يُنصح لهم بالصيام.
  3. مرضى السكري الذين يتناولون الإنسولين:
    قد يسبب الصيام انخفاضًا خطيرًا في سكر الدم.
  4. من يعانون من اضطرابات الأكل (مثل فقدان الشهية أو الشره):
    لأن الصيام قد يزيد من سوء حالتهم.
  5. الأشخاص النحيفون جدًا أو الذين يعانون من ضعف المناعة.

سادسًا: الأخطاء الشائعة في تطبيق الصيام المتقطع

رغم بساطة فكرته، يقع كثير من الناس في أخطاء تجعلهم لا يستفيدون منه أو يتعرضون لمشكلات صحية.
من أبرز هذه الأخطاء:

  1. الإفراط في الأكل بعد انتهاء الصيام:
    البعض يعوض ساعات الصيام بتناول كميات كبيرة من الطعام الدسم، مما يُفسد الفائدة.

  2. الاعتماد على أطعمة غير صحية:
    تناول الوجبات السريعة أو السكريات بعد الصيام يسبب تقلبات حادة في سكر الدم.

  3. قلة شرب الماء:
    يؤدي إلى الجفاف والصداع والتعب، خاصة في الصيام الطويل.

  4. نقص العناصر الغذائية:
    إهمال البروتين والخضروات قد يسبب ضعفًا عامًّا وتساقط الشعر مع الوقت.

  5. عدم الانتظام:
    الصيام يحتاج إلى استمرارية. التوقف المفاجئ ثم العودة يجعل الجسم غير متأقلم.


سابعًا: كيف تبدأ الصيام المتقطع بطريقة آمنة؟

إذا قررت تجربة الصيام المتقطع، فابدأ تدريجيًا وراقب جسدك. إليك خطوات بسيطة:

  1. ابدأ بنظام 12/12:
    أي الصيام 12 ساعة يوميًا (من 8 مساءً إلى 8 صباحًا).
    ثم زِد المدة تدريجيًا حتى تصل إلى 16/8.

  2. حافظ على الترطيب:
    اشرب الماء بانتظام خلال فترة الصيام.

  3. تناول وجبات متوازنة:
    ركز على البروتين، والخضروات، والدهون الصحية مثل زيت الزيتون والمكسرات.

  4. تجنب السكريات والدهون المشبعة:
    لأنها تعطل حرق الدهون وتزيد الجوع.

  5. مارس الرياضة الخفيفة أثناء الصيام:
    مثل المشي أو اليوغا، فهي تساعد على حرق الدهون دون إرهاق.

  6. استمع لجسدك:
    إذا شعرت بدوخة أو ضعف شديد، أوقف الصيام فورًا واستشر طبيبك.


ثامنًا: الصيام المتقطع بين العلم والتجربة

العلم أثبت فعاليته، لكن النجاح الحقيقي يعتمد على الانضباط والنظام الغذائي العام.
فالصيام ليس مبررًا لتناول ما تشاء خلال فترة الأكل، بل يجب أن يرافقه اختيار صحي للأطعمة.

دراسة من جامعة "إلينوي" عام 2024 وجدت أن الأشخاص الذين جمعوا بين الصيام المتقطع ونظام غذائي متوازن (غني بالخضروات والبروتينات) فقدوا وزنًا أكثر بنسبة 35% مقارنة بمن اتبعوا الصيام وحده دون تنظيم الوجبات.


تاسعًا: أسئلة شائعة حول الصيام المتقطع

1. هل يمكن شرب القهوة أثناء الصيام؟

نعم، يمكن شرب القهوة السوداء أو الشاي دون سكر، فهي لا تكسر الصيام، بل تساعد على تقليل الجوع.

2. هل الصيام المتقطع يسبب فقدان عضلات؟

لا، طالما يتم تناول كمية كافية من البروتين خلال فترة الأكل. كما أن ارتفاع هرمون النمو أثناء الصيام يحافظ على الكتلة العضلية.

3. متى تظهر النتائج؟

تبدأ النتائج عادة بعد أسبوعين إلى شهر من الالتزام، ويختلف ذلك من شخص لآخر حسب نوع الجسم والنظام الغذائي.

4. هل يمكن الاستمرار عليه مدى الحياة؟

نعم، لأنه ليس حمية مؤقتة، بل أسلوب حياة يمكن تكييفه حسب ظروف الشخص.


عاشرًا: الجانب النفسي في الصيام المتقطع

الصيام لا يؤثر على الجسد فقط، بل على العقل والمزاج أيضًا.
الكثير من الممارسين يشعرون بعد فترة بـ:

  • تحسّن في التركيز والصفاء الذهني.
  • انخفاض التوتر بسبب استقرار مستويات السكر في الدم.
  • تحكّم أفضل في الشهية بفضل انتظام الهرمونات.

كما يساعد الصيام على تعزيز الإرادة والانضباط الذاتي، لأن مقاومة الأكل لفترة طويلة تنمّي قوة التحكم في النفس.


خاتمة

الصيام المتقطع ليس مجرد موضة غذائية، بل أسلوب حياة مبني على منطق بيولوجي عميق؛
فهو يعيد للجسم توازنه الطبيعي بعد سنوات من الإفراط في الأكل وقلة الحركة.

لكن رغم فوائده الكبيرة، ليس مناسبًا للجميع، ويجب تطبيقه بحكمة وتحت إشراف طبي في بعض الحالات.
إنه وسيلة لتحسين الصحة وليس غاية بحد ذاتها، والنتائج لا تأتي من الحرمان بل من الوعي بنوعية الطعام وتوقيت تناوله.

وفي النهاية، يمكن القول إن الصيام المتقطع هو تذكير بسيط بحكمة قديمة:

"أحيانًا لا يحتاج جسدك إلى المزيد من الطعام، بل إلى القليل من الراحة."

تعليقات

Ad

Ad

إخلاء مسؤولية: تدير منصة معلومة نيوز بلس محتواها وفقًا لأفضل الممارسات المهنية. الآراء الواردة في المقالات تعبر عن وجهة نظر كاتبيها ولا تعكس بالضرورة رأي الإدارة. نحن نبذل جهدًا معقولاً لضمان دقة المعلومات، لكننا لا نتحمل مسؤولية أي أخطاء قد تطرأ، أو أي قرارات يتخذها القارئ بناءً على محتوى الموقع.