Ad

أحدث مزايا "إكس" تغير قواعد اللعبة: الكشف الجغرافي يفضح المؤثرين السياسيين حول العالم



​شهدت منصة "إكس" (X)، المعروفة سابقاً باسم تويتر، إطلاق ميزة جديدة ومثيرة للجدل تهدف إلى الكشف عن الموقع الجغرافي الفعلي الذي تنشط منه الحسابات. هذه الميزة، التي تأتي ضمن سعي المنصة لتعزيز الشفافية ومكافحة التضليل والمحتوى المزيف، أحدثت ضجة كبيرة فور تفعيلها. إنها تمثل تحولاً جذرياً في كيفية تعامل المستخدمين مع المحتوى السياسي والإخباري، حيث لم يعد بإمكان المؤثرين السياسيين إخفاء مكان وجودهم الحقيقي أو انتمائهم الجغرافي بسهولة.

​هذا التغيير التقني البسيط، الذي يسمح للمستخدمين برؤية معلومات الموقع التي يتم منها إدارة الحساب، كان له تأثير أشبه بـ "الفضيحة" على عدد كبير من الحسابات المؤثرة عالمياً. لقد كشف هذا التحديث عن تباين صارخ بين الموقع الجغرافي المعلن أو المتوقع لتلك الحسابات وبين موقعها الفعلي الذي كشفته تقنية "إكس" الجديدة. هذا المقال سيتناول الأبعاد المختلفة لهذه الميزة، بدءاً من تأثيرها على الحسابات المؤيدة والمناهضة، وصولاً إلى التحديات التقنية التي تواجهها المنصة حالياً.

​الميزة الجديدة كأداة لتعزيز الشفافية

​جاءت ميزة الكشف عن الموقع الجغرافي لتلبي حاجة متزايدة في البيئة الرقمية إلى الشفافية والمصداقية. ففي عصر المعلومات المضللة (Disinformation)، بات من الصعب التمييز بين الحسابات الحقيقية التي تمثل مجتمعاً معيناً والحسابات التي تُدار عن بُعد لأهداف سياسية أو دعائية. هذه الميزة توفر طبقة إضافية من التدقيق للمستخدمين.

​من خلال إظهار الموقع الجغرافي الفعلي لنشاط الحساب، يمكن للمستخدم العادي تقييم سياق التغريدة أو المحتوى المنشور. فالسؤال "من أين ينبع هذا الصوت؟" أصبح بالإمكان الإجابة عليه بوضوح أكبر. وهذا يقلل من قدرة الكيانات أو الأفراد على انتحال صفة أو هوية جغرافية معينة لكسب الثقة أو التأثير على الرأي العام في منطقة لا ينتمون إليها فعلياً.

​تهدف "إكس" من خلال هذه الأداة إلى تحسين جودة الحوار عبر المنصة، خاصة في الموضوعات الحساسة سياسياً. فبمجرد الكشف عن أن حساباً يدّعي تمثيل مجتمع معين في دولة ما ولكنه يُدار من دولة أخرى بعيدة، يمكن للمستخدمين إعادة تقييم أجندة هذا الحساب وأهدافه النهائية، مما يقلل من فعالية حملات التضليل الممنهجة.

​الكشف عن مواقع حسابات المؤثرين السياسيين

​لم يمر إطلاق الميزة الجديدة مرور الكرام، بل بدأ المستخدمون والمحللون على الفور في تطبيقها على الحسابات السياسية الكبرى، وكانت النتائج صادمة للكثيرين. وقد أكد التقرير الذي نشره موقع "هيندوستان تايمز"، إضافة إلى شهادات المستخدمين عبر منصات مثل "ريديت"، أن الميزة فضحت مواقع جغرافية غير متوقعة لعدد من المؤثرين.

​أبرز هذه الأمثلة كان حساب "مارينا تايمز" المؤيد لإسرائيل، والذي يتابعه أكثر من 78 ألف شخص ويدعي وجوده ونشاطه في الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الميزة كشفت أن هذا الحساب يدار فعلياً من الهند. هذا الكشف يثير تساؤلات حول طبيعة العمليات الدعائية عبر الحدود ويدحض فكرة أن الحسابات تمثل بالضرورة أصواتاً محلية.

​كما امتد الأمر إلى الحسابات ذات التوجهات السياسية المحلية في الولايات المتحدة، مثل مجموعة من الحسابات المؤيدة لحركة "ماغا" (Make America Great Again) الداعمة لدونالد ترامب. تبين أن هذه الحسابات تدار من دول متعددة حول العالم، بما في ذلك دول أوروبا الشرقية والهند وتايلاند. هذا يشير إلى شبكات معقدة من التأثير السياسي العابر للقارات.

​الحسابات المعارضة والشبكات الدولية

​لم يقتصر الكشف على الحسابات المؤيدة لتيار معين، بل امتد ليشمل الحسابات المعارضة أيضاً. فقد تمكن المستخدمون من الكشف عن حساب معارض للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي يمتلك قاعدة متابعين كبيرة تتجاوز 900 ألف متابع، ليتبين أنه يدار من النمسا بدلاً من الولايات المتحدة.

​هذا التنوع في الكشوفات يوضح أن ممارسة التأثير السياسي العابر للحدود ليست حكراً على طرف واحد، بل هي ظاهرة منتشرة تعتمد على شبكات إدارة محتوى دولية قد تخفي هويتها الجغرافية لأسباب مختلفة، قد تكون أمنية أو سياسية أو تتعلق بالحاجة إلى التمويه. وقد أكد المستخدمون أيضاً على منصات مثل "ريديت" وجود عدة حسابات لمؤثرين روس تدار من خارج الأراضي الروسية.

​تُشير هذه النتائج إلى أن البيئة السياسية على "إكس" هي نظام بيئي عالمي معقد، حيث يتم إنتاج وتوزيع الرأي السياسي والمحتوى الدعائي عبر الحدود الجغرافية التي غالباً ما يتم إخفاؤها. إن الكشف عن هذه المواقع الجغرافية يُجبر المستخدمين على التفكير النقدي في مصدر المعلومات والنوايا الكامنة وراء التفاعل السياسي على المنصة.

​التحديات التقنية وأخطاء الموقع الجغرافي

​بالرغم من أهمية الميزة وأهدافها النبيلة في تعزيز الشفافية، إلا أن تطبيقها لم يخلُ من المشكلات والأخطاء التقنية. فقد وردت مجموعة من الشكاوى من مستخدمين حول العالم تفيد بأن الميزة الجديدة تعرض معلومات موقع جغرافي خاطئة أو غير دقيقة لحساباتهم.

​وقد اضطرت منصة "إكس" إلى إيقاف عمل الميزة لبعض المستخدمين مؤقتاً لحين معالجة هذه الأخطاء. وقد قام نيكيتا بير، المسؤول عن المنتجات في شركة "إكس"، بالتأكيد على وجود هذه الأخطاء وأرجعها إلى مشكلات تتعلق بالاتصال عبر خدمة "ستارلينك" (Starlink).

​إن تفسير الأخطاء بـ "اتصال ستارلينك" يشير إلى أن المنصة تواجه تحديات في تحديد الموقع بدقة في بعض المناطق أو مع أنواع معينة من الاتصالات التي تعتمد على شبكات الأقمار الصناعية، والتي قد توفر عناوين بروتوكول إنترنت (IP) غير متطابقة مع الموقع الفعلي للمستخدم. هذا التحدي التقني يضع عبئاً على "إكس" لضمان دقة البيانات قبل تفعيل الميزة بشكل كامل وموثوق لجميع المستخدمين.

​الآثار المترتبة على المؤثرين والاستراتيجيات الدعائية

​إن الأثر الفوري لهذه الميزة على المؤثرين السياسيين هو الإجبار على تغيير الاستراتيجيات الدعائية. فبمجرد أن يصبح الموقع الجغرافي كأداة للتضليل غير فعال، يجب على هؤلاء المؤثرين إما التوقف عن إخفاء مواقعهم أو إيجاد طرق أكثر تعقيداً للالتفاف حول نظام الكشف.

​في المدى الطويل، ستؤدي هذه الميزة إلى زيادة الوعي العام حول طبيعة المحتوى السياسي على الإنترنت. فالمستخدمون سيصبحون أكثر تشكيكاً في المصادر التي لا يتطابق فيها الموقع الجغرافي مع الهوية المعلنة. هذا قد يدفع الحسابات المضللة إلى التراجع أو تغيير أسلوبها، والتركيز بدلاً من ذلك على إنشاء محتوى أكثر جودة وأصالة، بدلاً من الاعتماد على الخداع الجغرافي.

​كما أن هذا التطور قد يعزز من الدور الرقابي للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية في تتبع حملات التأثير الأجنبي. فوجود بيانات الموقع الجغرافي المتاحة للتدقيق يسهل عمليات التحقيق في مصادر التضليل ويكشف عن الشبكات المنهجية التي تعمل على التأثير على الانتخابات أو الرأي العام في دول أخرى.

​الموقع الجغرافي: بين الخصوصية والشفافية

​تطرح ميزة الكشف عن الموقع الجغرافي تساؤلات مهمة حول التوازن الدقيق بين خصوصية المستخدم وحق الجمهور في الشفافية. فمن ناحية، قد يرى البعض في الكشف عن موقع الحساب انتهاكاً للخصوصية، خاصة بالنسبة للمعارضين السياسيين أو النشطاء الذين قد يواجهون خطراً إذا تم الكشف عن موقعهم الفعلي.

​من ناحية أخرى، تصر منصات التواصل الاجتماعي على أن المصلحة العامة في مكافحة المحتوى المزيف والتلاعب السياسي تتطلب مستوى معيناً من الشفافية. إن التحدي يكمن في كيفية تفعيل هذه الميزة دون تعريض المستخدمين للخطر، خاصة في الأنظمة القمعية.

​من المهم أن تضع "إكس" آليات استثناء أو حماية للحسابات التي قد تكون معرضة للخطر، مع الالتزام الصارم بالإفصاح عن المعلومات الجغرافية للحسابات التي تمارس تأثيراً سياسياً أو دعاية منظمة. يجب أن يكون هناك حوار مستمر حول كيفية تفعيل الشفافية دون المساس بالأمن الشخصي.

​الخلاصة: مستقبل الحوار السياسي على "إكس"

​إن ميزة الكشف عن الموقع الجغرافي التي أطلقتها منصة "إكس" هي أكثر من مجرد تحديث تقني؛ إنها خطوة جريئة تهدف إلى إضفاء قدر أكبر من الشفافية على الحوار السياسي والدعائي عبر الإنترنت. وقد أدت هذه الميزة بالفعل إلى كشف التناقضات بين المواقع المُعلنة والمواقع الفعلية لعدد من الحسابات السياسية المؤثرة، مما كشف عن شبكات تأثير عابرة للحدود تهدف إلى تشكيل الرأي العام في بلدان أخرى.

​على الرغم من التحديات التقنية التي تواجهها المنصة حالياً، خاصة فيما يتعلق بدقة تحديد المواقع عبر تقنيات مثل "ستارلينك"، فإن هذه الميزة تمثل مؤشراً على التوجه المستقبلي لمنصات التواصل الاجتماعي نحو زيادة مساءلة الحسابات المؤثرة. إنها تضع الكرة في ملعب المستخدم ليكون أكثر نقداً وتقييماً للمعلومات التي يستهلكها. ومع استمرار عمل "إكس" على إصلاح الأخطاء، من المتوقع أن تصبح هذه الميزة أداة قوية وفعالة في مكافحة التضليل وتعزيز النقاش العام القائم على الشفافية الجغرافية.

تعليقات

Ad

Ad

إخلاء مسؤولية: تدير منصة معلومة نيوز بلس محتواها وفقًا لأفضل الممارسات المهنية. الآراء الواردة في المقالات تعبر عن وجهة نظر كاتبيها ولا تعكس بالضرورة رأي الإدارة. نحن نبذل جهدًا معقولاً لضمان دقة المعلومات، لكننا لا نتحمل مسؤولية أي أخطاء قد تطرأ، أو أي قرارات يتخذها القارئ بناءً على محتوى الموقع.